العقول السنجابية

جاء في حكم الصين القديمة أن ملكاً أراد أن يكافئ أحد مواطنيه، فقال له: امتلك من الأرض كل المساحات التي تستطيع أن تقطعها سيراً على قدميك. فرح الرجل وشرع يزرع الأرض مسرعاً ومهرولاً في جنون. سار مسافة طويلة فتعب وفكر أن يعود، لكنه قرر مواصلة السير ليحصل على المزيد. ظل الرجل يسير ويسير ولم يعد أبداً، فقد ضل طريقه وضاع في الحياة، ويقال: إنه وقع صريعاً من جراء الإنهاك الشديد. لم يمتلك شيئاً؛ لأنه لم يعرف حد الكفاية والقناعة!!

ذهب صديقان يصطادان الأسماك، فاصطاد أحدهما سمكة كبيرة فوضعها في حقيبته ونهض لينصرف. فسأله الآخر: إلى أين تذهب؟ فأجابه: إلى البيت، لقد اصطدت سمكة كبيرة تكفيني. فرد الرجل: انتظر لتصطاد المزيد! فسأله صديقه: ولماذا؟ قال: لتبيعها وتحصل على المال. فسأله: ولماذا؟ قال: لتدخره وتصبح ثرياً. فسأله: وماذا سأفعل بالثراء؟ قال: لتستمتع بوقتك مع أولادك وزوجتك عندما تكبر. فقال له الصديق العاقل: هذا هو بالضبط ما أفعله الآن ولا أريد تأجيله.

يحكى أن تاجراً أرسل ابنه ليتعلم سر السعادة لدى أحكم رجل في العالم. بعد رحلة طويلة، وصل الفتى إلى قصر الحكيم وأعطاه ملعقة صغيرة فيها نقطتان من الزيت، طالباً منه أن يحافظ عليهما أثناء جولته في القصر. رجع الفتى ولم ير شيئاً من جمال القصر لأنه كان مركزاً على الملعقة. فأمره الحكيم بالعودة والتجول مرة أخرى. هذه المرة شاهد الفتى كل روائع القصر، لكنه اكتشف أن قطرتي الزيت انسكبتا. فقال له الحكيم: “سر السعادة هو أن ترى روائع الدنيا وتستمتع بها دون أن تسكب أبداً قطرتي الزيت”.

السعادة هي حاصل ضرب التوازن بين الأشياء، وقطرتا الزيت هما الستر والصحة، فهما التوليفة الناجحة ضد التعاسة.

يقول إدوارد دي بونو: أفضل تعريف للتعاسة هو أنها تمثل الفجوة بين قدراتنا وتوقعاتنا. إننا نعيش في هذه الحياة بعقلية السنجاب، فالسناجب تفتقر إلى القدرة على التنظيم رغم نشاطها وحيويتها، فهي تقضي عمرها في قطف وتخزين ثمار البندق بكميات أكبر بكثير من قدر حاجتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

احصل على خصم 20% من استضافة هوستنجر
خدماتي على موقع خمسات