الهجرة دروس وعبر

لما اشتد أذى المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم، صار يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج طالباً منهم النصرة والحماية، فلم يجد من يجيبه حتى حج نفر من الخزرج من أهل المدينة. في العام الثاني بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة أنهم سينصرونه إذا أتاهم.

قال أنس: “فَشَهِدْتُهُ يَوْمَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ كَانَ أَحْسَنَ، وَلَا أَضْوَأَ مِنْ يَوْمٍ دَخَلَ عَلَيْنَا فِيهِ، وَشَهِدْتُهُ يَوْمَ مَاتَ، فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا كَانَ أَقْبَحَ، وَلَا أَظْلَمَ مِنْ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” أخرجه أحمد.
وقال البراء: “قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ المَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” أخرجه البخاري.

الدرس الأول: أول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم هو بناء المسجد الذي يعتبر برلمان الأمة، فهو مركز روحي ومدرسة علمية وتشريعية ومؤسسة اجتماعية يتعلم فيها المسلمون النظام والمساواة والمودة والتكافل.

الدرس الثاني: في مكة بنى النبي صلى الله عليه وسلم الفرد في 13 عاماً، وفي المدينة بنى الدولة.

الدرس الثالث: المدينة موقع استراتيجي يحدها من الشمال الروم والفرس، ومن الجنوب مشركي العرب.

الدرس الرابع: المدينة بعد الهجرة أصبحت منوّرة بالتضحية الكبيرة من النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين الذين تركوا الأرض والمال والأهل في سبيل العقيدة، وقد قوبلت هذه التضحية بتضحية صادقة من الأنصار.

الدرس الخامس: بذل الصحابة أنفسهم وأموالهم فداءً للنبي صلى الله عليه وسلم، فجسّدوا قوله: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» متفق عليه.

الدرس السادس: الابتلاء: قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت : 2].
المهاجرون تركوا المال والأوطان ومهددون بالقتل، وما إن استقروا بالمدينة حتى ابتلوا بالوباء والحنين لمكة.

الوباء المادي:
صادف قدوم المسلمين موسم أمطار وسيول في المدينة. قالت عائشة رضي الله عنها: “قَدِمْنَا المَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ” أخرجه البخاري.

الوباء المعنوي:

1- اختلف مناخ المدينة عن مكة فأصاب الصحابة وعك شديد:
ألمّ بعض الصحابة وعكٌ شديد لحكمة أرادها الله تعالى. من يدري لو كان أنموذج الصحابة من أمثالنا لكان معظمنا يقول: عجباً! وهل أبقينا لأنفسنا شيئاً إلا وبذلناه لأجل الله تعالى؟! أما نستحق من الله أجواءً لطيفة في مُناخ يثرب؟! فكم من مسلمٍ بسبب المرض يطيش لبّه؟ مثل هذا كيف لو زيد له في البلاء؟ ومع البلاء ماذا لو سُوّم على دينه؟ ينقصنا التربية الإيمانية القرآنية، وينقصنا لفت النظر إلى هذه المعاني في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

2- شعورهم بالغربة والحنين لمكة المكرمة مسقط رأسهم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» أخرجه الترمذي. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو قائلاً: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا وَصَاعِنَا» أخرجه البخاري..

الهجرة تذكرنا بأن نكون مستعدين للتضحية في سبيل الله، وأن نتحمل الابتلاءات بصبر وإيمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

احصل على خصم 20% من استضافة هوستنجر
خدماتي على موقع خمسات